المحاكمات العسكرية تشكّل تهديدا خطيرا لحريّة التّعبير في تونس
تعبّر منظمة المادّة 19 عن قلقها تجاه تولّي القضاء العسكري التّونسي قضايا تهمّ المدنيّين، بمن فيهم الصحافيون والمدونون، حيث تتعارض هذه الممارسات مع المعايير الدوليّة للمحاكمة العادلة ولحريّة التّعبير. تحمي مجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة، على سبيل المثال، رمزية العلم الوطني أو كرامة الجيش وهو ما يتعارض أيضا مع القانون الدّولي. لذلك فإنه من الملحّ مراجعة الإطار القانوني لإلغاء أحكام مجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة التي من شأنها التأثير على حريّة النقاش العام عبر التخويف أو الردع.
لاحظت منظمة المادّة 19 تواصل ممارسات تتمثل في إحالة المدنيين على المحاكم العسكرية، فقد تمّت إدانة المدوّن ياسين العياري في شهر نوفمبر 2014 من قبل القضاء العسكري وحوكم بالسّجن النّافذ لمدّة سنة بتهمة الثّلب والمسّ من معنويّات الجيش وفي شهر أفريل 2015 وافقت محكمة الاستئناف بتونس على سراحه الشرطي بعد أن قضّى نصف العقوبة.
وتمّ سنة 2013، إيقاف المدوّن حكيم الغانمي بمقتضى الفصل 91 من مجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة حول المسّ من كرامة الجيش ثمّ تمّ الإفراج عنه بعد مثوله أمام محكمة عسكريّة.
كما حضر جمال العرفاوي، صحفي ومدير موقع “تونزيا تيليغراف” في شهر سبتمبر 2016 لدى قاضي التّحقيق العسكري بتهمة الإساءة إلى المؤسّسة العسكريّة ومكوّناتها طبقا لأحكام الفصل 91 من مجلّة المرافعات والأحكام العسكريّة والفصل 128 من المجلّة الجزائيّة، ولكن تمّ ابقاؤه في حالة سراح إلى حدّ البتّ في القضيّة.
كما صدرت بطاقة إيداع بالسجن في حقّ محمّد ناعم الحاج منصور مدير صحيفة “الثّورة نيوز” بتاريخ 3 أكتوبر 2016 من قبل حاكم التّحقيق العسكري على خلفيّة نشره لمقال في الصّحيفة أعتبر مسيئا للمؤسسة العسكرية.
الإطار القانوني
يضمن الفصل 31 من الدّستور التّونسي الجديد الحقّ في حريّة التّعبير. وفيما يتعلّق بالضوابط المفروضة على حقوق الإنسان، ينصّ الفصل 49 من الدّستور على ضرورة “عدم مساس تلك الضّوابط بجوهر الحقوق” ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها”.
تمنح مجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة لسنة 1957، كما تمّ تنقيحها بمرسومين مؤرّخين في 29 جويلية 2011، للمحاكم العسكريّة سلطة تتعدّى ما هو منصوص عليه في الدّستور الجديد (في فصله العاشر) حيث لم يحذف التّحوير الحاصل بمقتضى المرسوم عدد 69 لسنة 2011 المؤرّخ في 29 جويلية 2011 سلطة القضاء العسكري على المدنيّين وبشأن الجنح ذات الطّابع غير العسكري التي يقترفها العسكريّون. وبذلك يمكن رفع مخالفات الحقّ العام التي يقترفها مدنيّون أمام أنظار المحاكم العسكريّة عندما تكون الضحيّة من السّلك العسكري كما للمحاكم العسكريّة صلاحيّة النّظر في المخالفات المقترفة في حقّ الجيش.
كما يعاقب الفصل 91 من مجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة بالسّجن لمدّة تصل إلى ثلاث سنوات ” كلّ من تعمّد … تحقير العلم أو تحقير الجيش والمس من كرامته أو سمعته أو معنوياته أو يقوم بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النظام العسكري والطاعة للرؤساء أو الاحترام الواجب لهم أو انتقاد أعمال القيادة العامة أو المسؤولين عن أعمال الجيش بصورة تمس كرامتهم”.
التعدّي على الحق في محاكمة عادلة
تسجّل منظمة المادّة 19 أنّ القضاء العسكري في تونس لا يستجيب إلى متطلّبات الاستقلاليّة المنصوص عليها في الفصل 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والفصل 14.1 من العهد الدّولي الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسياسيّة [1]
وحسب اللجنة الأمميّة المعنيّة بحقوق الإنسان “فإنّ شرط اختصاص الهيئة القضائيّة واستقلالها وحيادها وفقا لمدلول الفقرة 1 من المادّة 14 هو حقّ مطلق لا يخضع لأيّ استثناء” (التّعليق العامّ 32، الفقرة 19) وتهمّ ضمانات الاستقلاليّة بالخصوص ظروف تعيين القضاة وتدرّجهم بينما الوضع في تونس يجعل من وزير العدل يترأّس مجلس القضاء العسكري ويقترح تسميات وترقيات القضاة العسكريّين.
وقد أعرب المقرّر الخاص لدى الأمم المتّحدة المعني بتعزيز العدالة والحقيقة وجبر الضّرر وضمانات عدم العود عقب زياراته إلى تونس سنة 2012 عن قلقه تجاه ضعف استقلاليّة القضاة العسكريّين. [2]
و تشير منظمة المادّة 19 إلى أن القانون الدّولي يعارض محاكمة المدنيّين من قبل القضاء العسكري. و حسب اللجنة الأمميّة المعنيّة بحقوق الإنسان لا تكون محاكمة المدنيّين من قبل محاكم عسكريّة متطابقة مع العهد الدّولي الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسياسيّة إلّا إذا كان ذلك من باب الاستثناء و خاصّة في الحالات التي لا تتمكّن فيها المحاكم العاديّة من الاضطلاع بدورها ( التّعليق العامّ 32، الفقرة 22) هذا و تنصّ بوضوح مبادئ الأمم المتّحدة لحماية حقوق الإنسان ومحاربة الإفلات من العقاب على أنّه “يجب أن يقتصر اختصاص المحاكم العسكريّة على المخالفات العسكريّة تحديدا التي يرتكبها العسكريّون” (المبدأ 29)[3].
وتسجّل منظمة المادّة 19 أن المثول أمام محكمة عسكريّة من شأنه ترويع الصحفيّين والمدوّنين، ممّا يحدّ من حقّهم في حريّة التّعبير.
وتذكّر منظمة المادّة 19 بأنّ حريّة الإعلام ضروريّة لبناء مجتمع ديمقراطي وتطوّره. وتوصي المنظمة بالمراجعة السّريعة لمجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة لضمان احترام الحقّ في المحاكمة العادلة. وفي انتظار التّحويرات التّشريعية، تحثّ المادّة 19 كافّة الفاعلين في القطاع العدلي على تفسير الأحكام القضائيّة المتعلّقة باختصاص المحاكم بطريقة تضمن عدم مثول المدنيّين أمام القضاء العسكري.
خرق المعايير الدّوليّة المتعلّقة بحريّة التّعبير
تعبّر منظمة المادّة 19 أيضا عن شديد قلقها تجاه توظيف الفصل 91 من مجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة ضدّ الصحفيين والمدوّنين التّونسيّين وهو تمشّي يخرق الفصلين 31 و49 من الدستور التّونسي وكذلك الفصل 19 من العهد الدّولي الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسياسيّة.
في القانون الدّولي يشترط أن يكون كلّ تقييد لحريّة التّعبير مرتكز على سند قانوني واضح وصريح ويجب أن يستهدف غرض من الأغراض المشروعة والمحدّدة في المادّة 19 فقرة 3 من العهد الدّولي الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسياسيّة كما يجب أن يحترم مبدأ التّناسب أي أن يكون متناسبا مع الغرض المشروع.
وتشير منظمة المادّة 19 إلى أنّ الفصل 91 يستخدم مصطلحات غير دقيقة مثل ‘’الكرامة’’ أو ‘’السّمعة’’ أو ‘’الأعمال التي من شأنها أن تضعف روح النظام العسكري’’ أو ‘’المعنويّات’’ و هي مصطلحات يمكن تفسيرها بطريقة ذاتيّة أو حتّى اعتباطيّة و لذلك فالفصل 91 ليس دقيقا وواضحا بما فيه الكفاية للاستجابة إلى متطلّبات القانون الدّولي.
ويجب الإشارة أيضا إلى أنّ الفصل 91 يحمي كرامة كائن رمزي مثل العلم الوطني، بينما لا يفترض في الأشياء أن تكون لها كرامة أو سمعة ومن ثمّة يمكن القول بأنّ الفصل 91 لا يستهدف غرضا مشروعا.
كما تعبّر منظمة المادّة 19 عن قلقها من كون الفصل 91 يحظر أي انتقاد لأعمال القيادة العامّة للجيش وإنه من شأن هذه الأحكام أن تمنع أيّ نقاش عامّ، خاصّة و أنّه ينصّ على عقوبة شديدة بالسّجن، بينما يفترض أن تشكّل تصرّفات قوات الجيش موضوع مشروعا يتعلق بالصّالح العام تتناوله وسائل الإعلام في مجتمع ديمقراطي و يجب أن تكون كلّ الأطراف المساهمة في النقاش العام قادرة على استقاء المعلومات و بثّها بكلّ حريّة، بما في ذلك الجانب النّقدي للقرارات والأعمال التي تتخذها وتقوم بها السّلط العموميّة والعسكريّة.
وإلى جانب حقّ الصّحافة في البحث عن المعلومات ونشرها، لا بدّ من تأمين حقّ العموم في تلقّي المعلومات ولذلك فلا شكّ في انّ الفصل 91 يشكل تقييدا غير متناسب مع حريّة التّعبير وإنّ استخدام القضاء العسكري لهذه الأحكام ضدّ الصحفيين والمدوّنين من شأنه أن يخلق لديهم إحساسا بالخوف ويهدد النقاش العام.
توصي منظمة المادّة 19 بإبطال الفصل 91 من مجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة دون تأخير وفي انتظار هذا التّعديل التشريعي توصي المنظمة باتخاذ إجراء وقتي يقضي بامتناع كافة المحاكم عن تطبيقه.