الإرهاب الجديد في تونس يُشكّل خطرًا على حقوق الإنسان ويفتقر إلى الضمانات الضرورية ضد الانتهاكات. يمنح القانون قوات الأمن سلطات واسعة للقيام بالرقابة علي الأشخاص. يسمح القانون بتمديد احتجاز المشتبه بارتكابهم جرائم إرهابية بمعزل عن العالم الخارجي من 6 أيام إلى 15 يومًا. ويسمح للمحاكم بعقد جلسات مغلقة لا يحضرها الجمهور، وللشهود بعدم الكشف عن هويتهم للمتهم في حالات غير معرفة بدقة. قالت المنظمات إن على البرلمان التونسي الحدّ من خطر الانتهاك الذي يسمح به هذا القانون الجديد، عبر تعديل مجلة الإجراءات الجزائية، على سبيل المثال، بما يضمن لجميع المحتجزين حق الاتصال بمحام مباشرة بعد الاعتقال، وكذلك قبل الاستجواب وأثناءه.
قال إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “الإرهاب يهدد الجميع في تونس، ولكن أي قانون يسمح للشرطة باستجواب المشتبه فيهم دون حضور محام لمدة 15 يومًا هو كذلك تهديد حقيقي لحقوق الانسان في تونس”.
في 25 يوليو/تموز 2015، تبنى مجلس نواب الشعب، البرلمان التونسي المتكون من 217 عضوًا، قانون مكافحة الإرهاب بموافقة 174 نائبًا واحتفاظ 10 نواب بأصواتهم. كانت الحكومة قد أرسلت مشروع القانون إلى البرلمان في 26 مارس/آذار، بعد الهجوم على متحف باردو في 18 مارس/آذار في تونس العاصمة، الذي ذهب ضحيته 23 شخصًا.
يستبدل القانون الجديد قانون سنة 2003 الذي اعتُمد في حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، واستخدمته المحاكم إلى حين خلعه في يناير/كانون الثاني 2011 لمحاكمة حوالي 3000 شخص. خلص تقرير للأمم المتحدة إلى أن هذا القانون استُخدم لتوجيه تهم إلى عدة أشخاص يُشتبه بتعاطفهم مع المعارضة رغم غياب أي أدلة على صلتهم بالإرهاب، وأدينوا اعتمادًا على اعترافات انتُزعت منهم تحت التعذيب. بعد الإطاحة بالرئيس بن علي، جمدت السلطات الانتقالية تقريبا قانون سنة 2003، ثم عادت إلى العمل به في مايو/أيار 2013 بعد سلسلة هجمات مسلحة على قوات الأمن في جبل الشعانبي قرب الحدود مع الجزائر.
عند مناقشة القانون الجديد، أضاف البرلمان تعديلات تحسن بعض الضمانات ، منها تعديل يعزز حق الصحفيين في عدم الكشف عن مصادرهم، وآخر يُجرّم اللجوء الي طرق تحري خاصة كالاختراق واعتراض الاتصالات من قبل الشرطة بدون إذن قضائي. غير ان القانون القي علي العديد من الخروقات.
قالت المنظمات الموقعة إن القانون يُعرّف الإرهاب بطريقة فضفاضة وغامضة. فيحتوي القانون علي قائمة الاعمال الإرهابية المجرمة منها الإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة أو الموارد الحيوية أو البنية الأساسية أو وسائل النقل أو الاتصالات أو المنظومات المعلوماتية أو المرافق العمومية عندما تكون في اطار مشروع فردي أو جماعي يهدف إلى بث الرعب بين السكان أو حمل حكومة أو منظمة دولية على فعل أمر ما أو الامتناع عنه. قد يتسبب هذا التعريف في قمع بعض الأعمال التي ليست لها طابع إرهابي. فالمظاهرات السلمية التي ترافقها بعض الفوضى قد تُعتبر أعمالا إرهابية.
مدّد القانون الجديد فترة الاحتجاز السابق للمحاكمة على ذمة قضايا إرهابية من 6 أيام (في قانون 2003) إلى 15 يومًا، دون أن يُسمح للمشتبه فيه بزيارات من محاميه أو عائلته. وقالت المنظمات إن احتجاز الأشخاص لدى الشرطة لفترات مطولة وبمعزل عن العالم الخارجي يزيد مخاطر تعرضهم لسوء المعاملة والتعذيب. كانت هذه الانتهاكات شائعة في العهد السابق، ومازالت مستمرة في الواقع، فقد نقلت التقارير عدة حالات تعذيب ووفاة مشبوهة تحت الاحتجاز لدى الشرطة منذ 2011. ينص دستور 2014 على السماح للمحتجزين بتمثيل قانوني من قبل محام منذ لحظة الاعتقال، ولكن مجلة الإجراءات الجزائية لا تسمح بهذا الحق إلا بعد أن يعرض الشخص على قاضي التحقيق.
على البرلمان مراجعة مجلة الإجراءات الجزائية بما يسمح لكل محتجز لدى الشرطة بحق الاتصال بمحام على وجه السرعة كما يقتضيه العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية و الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب. و تنص المبادئ التوجيهية بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا على أن “تتوفر لجميع الموقوفين أو المحتجزين أو المسجونين فرص وأوقات وتسهيلات تكفي لأن يزورهم محام ويتحدثوا معه ويستشيروه، دونما إبطاء ولا تدخل ولا مراقبة، وبسرية تامة”.
حتى الآن لم يناقش البرلمان مشروع قانون لتعديل مجلة الإجراءات الجزائية اقترحته الحكومة السابقة على البرلمان في 12 أبريل/نيسان 2013 . يؤكد مشروع القانون على الحق في الاتصال بمحام مباشرة بعد الاعتقال، وينص على ضرورة حضور محام أثناء الاستجواب وفي المحكمة عند مواجهة المتهم بشهود أو ضحايا لجرائم مزعومة.
ينص قانون مكافحة الإرهاب الجديد على عقوبات، بينها الإعدام، ضد المتهمين المدانين بعمل إرهابي في حالة ما تسبب العمل الارهابي في موت شخص او اكثر او في حالة اغتصاب. لم يلغ دستور سنة 2014 عقوبة الإعدام، وهي مكرسة في مجلة الإجراءات الجزائية، رغم أن تونس لم تنفذ أي إعدام منذ 1991. تُعارض المنظمات الموقعة على البيان عقوبة الإعدام في جميع الظروف كممارسة غاية في القسوة ولا يمكن تداركها.
يسمح القانون الجديد للقضاة بعقد جلسات مغلقة بوجه الجمهور. وتنص المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حق كل شخص في محاكمة عادلة وعلنية، وتبقي على استثناءات “لدواعي الآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومي في مجتمع ديمقراطي، أو لمقتضيات حرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى، أو في أدنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تخلّ بمصلحة العدالة”. لكن المنظمات قالت إن القانون الجديد فشل في تحديد المعايير التي يجب توفرها قبل إجراء جلسة مغلقة، وهو ما يمنح القضاة سلطة تقديرية واسعة.
ينص القانون على أنه يُمكن، إذا اقتضت الظروف، عدم الكشف عن المعطيات التي من شأنها تحديد هوية الضحايا والشهود أو أي شخص آخر. وقد يتسبب استخدام شهود مجهولي الهوية، كما تنص على ذلك المادتان 68 و70، في تهديد حقوق المتهم ومنعه من إعداد دفاع جيّد لأن ذلك يحرمه من الاعتراض على شهاداتهم.
تنصّ المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حق الطرف المتهَم في الإطلاع على الشهود المستخدمين ضدّه. وتنص المبادئ التوجيهية بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا، التي اعتمدتها اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، على حق المتهم في مناقشة شهود الاتهام، وحضور شهود لصالحه في الظروف نفسها. كما تنص أيضًا على أنه لا يُسمح باستخدام شهادات من شهود مجهولي الهوية أثناء المحاكمة إلا في ظروف استثنائية، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الجريمة وظروفها، والحفاظ على سلامة الشهود، وعندما يكون ذلك في مصلحة العدالة.
لا يستجيب قانون مكافحة الإرهاب التونسي لهذا الشرط لأنه يوفر للقضاة هامشًا كبيرًا لاعتماد شهادات من مجهولي الهوية كأدلة، دون تحديد أي معايير يتعين احترامها باستثناء عبارة “إن اقتضت الضرورة”.
يمنع القانون، بعبارات فضفاضة، “الإشادة أو التمجيد بالإرهاب”. أي شخص يثبت أنه “يتعمّد علنا وبصفة صريحة الإشادة أو التمجيد” بجريمة إرهابية، أو مرتكب جريمة إرهابية، أو منظمة أو تحالف مرتبط بجريمة إرهابية أو بأعضائها أو نشاطاتها، قد يُحكم بالسجن حتى 5 سنوات. قد تُستخدم هذه المادة لتقييد حرية الأفراد والمجموعات في التعبير بشكل غير مبرر. مثلاً، قد يُسجن شخص ما إذا قام بمجرد استخدام كلمة أو استعرض رمزاً يُعتقد أنه يساند الإرهاب، بغض النظر عما إذا كان ذلك يتسبب في أي فعل إرهابي ملموس.
“يجب ألا يستخدم خطر الإرهاب كذريعة للحد من الفضاء الذي بإمكان الناس أن يعبروا فيه عن أفكارهم ينتقدوا، يتبادلوا المعلومات، ويشكلون الآراء. إن أية ديمقراطية نشطة تعتمد على النقاش العام المفتوح بشأن مجموعة من القضايا، بما في ذلك الإرهاب وكيفيه التصدي له. إن الخوف من أن يكون لهذا القانون تأثير مخيف ومطلق في الحد من النقاش العام في وقت نكون فيه في أمس الحاجة لهذا النقاش، لهو خوف مشروع”، تقول سلوى غزواني الوسلاتي، مديرة مكتب منظمة المادة 19 بتونس.
أضاف المشرعون في اللحظات الأخيرة حكمًا يحمي الصحفيين والأطباء الذين صاروا، إضافة إلى المحامين، يتمتعون بحق حماية سرية المعلومات التي يحصلون عليها في إطار عملهم. من شأن هذا الحكم القانوني، الذي لم يكن موجودًا في قانون سنة 2003، تعزيز حرية الصحافة لأنه يُطمئن الصحفيين ومصادرهم أن الدولة لا تستطيع اختراق السرية المتفق عليها بينهما باسم التحقيق في قضية إرهابية.
يمنح القانون أجهزة الأمن والمخابرات سلطة استثنائية لاستخدام “طرق تحرّي خاصة”، منها التنصّت والاطلاع على محتوى الاتصالات ونسخها وتسجيلها واختراق المجموعات الإرهابية المشتبه فيها من قبل أعوان شرطة، مع الحصول على إذن قضائي مسبق، وعلى ألا يتجاوز ذلك فترة 4 أشهر. في آخر جلسة تصويت، أضاف البرلمان حكمًا يمنع الانتهاك عبر جعل موظفي الدولة عرضة للسجن لسنة واحدة إذا تنصتوا على مجموعات أو قاموا بالاختراق دون إذن قضائي.
قالت غابرييل، مديرة مكتب المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب: “بتبني هذا القانون، عرّض البرلمان الحقوق التي كافح التونسيون من أجلها للخطر مجددًا. الآن عليه تشريع ضمانات فعالة لهذه الحقوق كي لا تكون أضرارًا جانبية في معركة مشروعة تهدف إلى حماية تونس من الإرهاب”.
المشاركون في التوقيع
منظمة العفو الدولية آمنستي
المادة 19
محامون بلا حدود ـ بلجيكا
الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان
الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
هيومن رايتس ووتش
المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب
مركز كارتر