تم تبني اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD) في العام 2006، ودخلت حيز التنفيذ سنة 2008، وتمثل الاتفاقية ذروة جهود امتدت لعقود من السنوات لتحسين حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ليتمتعوا بحقوقهم الإنسانية على قدم المساواة مع الآخرين. وتعترف الاتفاقية بأن الممارسات الاجتماعية وممارسات الدولة التي تقصي الأشخاص ذوي الإعاقة من المشاركة في الحياة اليومية، يجب أن تتغير لكي يتمتعوابالحقوق نفسها التي يتمتع بها الآخرون. كما اعترفت الاتفاقية كذلك بأن الحقوق المدنية والسياسية، مثل حرية التعبير والحق في المعلومات، تمثل شرطاً مسبقاً حاسماً لكي ينال الأشخاص ذوو الإعاقة حقوقهم، ويتخطوا تاريخ طويل من الإقصاء التي مرّوا بها.
لا يزال الأشخاص ذوو الإعاقة يواجهون عوائق سلوكية وبيئية تحول دون مشاركتهم في العديد من جوانب الحياة. ولأجل مجابهة تلك العوائق لا بد لهم من أن يقوموا بتحرك سياسي، وأن يقدموا حججا قوية داعمة للتغيير – وتحتاج حجج التغيير تلك إلىأن تتأسس على معلومات حول أوضاعهم، وبالتالي فإن الأشخاص ذوي الإعاقة والمنظمات التي تمثلهميحتاجون، لكي يجابهوا عملية اقصائهم، ان يمتلكوا معلومات حول سياسات الحكومة التي تساهم في هذا الاقصاء. .
ومع أن لبنان لم يصادق بعد على الاتفاقية، إلا أنه تعهّد بالتزامات معيّنة في القانون الدولي، بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ما يلزمه أن يوفر فرص الوصول إلى المعلومات لكل مواطنيه ، بما فيهم الأشخاص ذوو الإعاقة.
في العام 2000، تبنّى لبنان القانون رقم 220 المتعلق بحقوق الأشخاص المعوقين (القانون 220/2000)، وذلك قبل عدة سنوات من تبني الاتفاقية. وتأسس القانون بشكل رئيسي على مجموعة من الحقوق التي تدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، عبر تخصيص حصص (كوتا) في التوظيف والمواصلات ،والاسكان، وضمانات خدمات الصحة والتعليم.
لم يشر القانون إلى الوصول إلى المعلومات. لكن مساهمته الرئيسية بشأن المشاركة السياسية للأشخاص ذوي الإعاقة هي في اعترافه بـ”الهيئة الوطنية لشؤون المعوقين” (NCDA) التي يُنتخب أعضاؤها عن طريق، ومن بين الأشخاص ذوي الإعاقة ومنظماتهم. وللاسف، فإن الهيئة نفسها كثيراً ما تكافح من أجل الوصول إلى المعلومات من وزارات أخرى.
بالرغم من أن القانون 220/2000 ينص على التزامات هامة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن العديد من هذه الالتزامات لم تجد طريقها للتحقق الكامل لأن الأشخاص ذوي الإعاقة ومنظماتهم لم تتحقق لهم فرص وصول كافية للمعلومات حول حقوقهم وخدماتهم.
تم تقديم مشروع قانون حول الوصول إلى المعلومات إلى مجلس النواب اللبناني سنة 2009، لكنه لم يتم تبنيه بعد، بسبب الأزمة السياسية في لبنان – التي تمثل إحدى العوائق الأساسية أمام إحراز تقدم في الوصول إلى المعلومات وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
لم يتضمن مشروع القانون متطلبات محددة لتوفير معلومات بأساليب سهلة الوصول والاستخدام للأشخاص ذوي الإعاقة كما تقترحها الاتفاقية.
هناك نهجان في تعريف الإعاقة يُقدمان أحيانا كنموذجين متعارضين: “النموذج الطبي” و “النموذج الاجتماعي”. والتعريفات مهمة لأنها تقود إلى أشكال فهم مختلفة لنطاق المشكلة. ويبلغ معدل انتشار الإعاقة في لبنان 2% من مجموع السكان، أقل من معدل الإنتشار في معظم بلاد العالم، وأحد اسباب انخفاض هذا المعدل هو أن هيئة الإحصائيات الرسمية في لبنان ، مثلها مثل غيرها في المنطقة، تستخدم التعريفات الطبية للإعاقة.
إن الوصول إلى المعلومات موجود في العديد من الحالات – لكنه يستند إلى شبكات اجتماعية وسياسية غير رسمية، ما يعني أنه من الصعب على الأشخاص الأضعف نسبيا – مثل العديد من الأشخاص ذوو الإعاقة –الوصول إلى المعلومات التي يمكن ان تساعدهم على إحداث تغيير.
يُعتبر إفصاح الحكومة عن معلومات بشأن المالية العامة ونتائج السياسات العامة عنصراً رئيسياً من عناصر الوصول إلى المعلومات. لكن سجل الحكومة اللبنانية كثيراً ما يبين تقصير في بلوغ التزاماتها الدولية. ويخلق الافتقار للإفصاح عن المعلومات صعوبات أمام الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان في الدفاع بشكل فعال عن مشاركتهم الكاملة فيالحياة العامة. وتُظهر تجارب سجلتها منظمات لبنانية لأشخاص ذوي إعاقة بأنهم يبذلون جهوداً كبيرة للوصول إلى معلومات الحكومة بشأن التعليم والصحة والموازنة.
تعترف كل من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والقواعد المعيارية لتكافؤ الفرص للأشخاص ذوي الإعاقة –وهي صك دولي يسبق الإتفاقية – بمسؤولية السلطات العامة في توفير المعلومات باساليب وتقنيات سهلة المنال. وبينما تغير الاساليب التكنولوجية الجديدة من طرق الوصول إلى المعلومات بالنسبة إلى مجموعات لديها قصور وظيفي بدني أو عقلي معين،والذين لديهم المال الكافي للحصول عليها ، فإن تلك الاساليب لا تزال غير متاحة للأشخاص ذوي الإعاقة الفقراء. وهناك مجموعات أخرى – مثل الأشخاص ذوو الإعاقات العقلية – ليس لدى أفرادها حلول تكنولوجية جاهزة تمكنهم من تخطي العوائق التي تحول بينهم وبين الوصول إلى المعلومات،ما يعني ان العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة لا يملكون بديلاً،إنما يطلبون المعلومات عبر أصدقائهم وأقربائهم.
وقد يحتاج الأشخاص ذوو الإعاقة إلى الحصول على المعلومات، وفهمها في سياق محدد،كي ينالوا حقوقهم. فمثلا هناك الأطفال ذوو الإعاقة، الذين يعيشون غالباً داخل دور رعاية، وهناك الأشخاص الذين يعتبرون فاقدين للأهلية القانونية،وقد يحتاجون للحصول على معلومات تُقدم لهم بطريقة تكفل لهم فهمها.
وبينما يعني الوصول إلى المعلومات، في العادة، الوصول إلى معلومات موجودة سلفاً لدى جهة رسمية، فإن اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تذهب أبعد من ذلك، إذ تجعل من إصدار التقارير الإحصائية عن الإعاقة التزاماً طبقا للقانون الدولي. وبالتالي، فإن على الدولة، وبموجب الاتفاقية إعداد إحصائيات لتقييم تنفيذ التزاماتها بموجب الإتفاقية.
يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة عقبات شديدة التعقيد تقف أمام نيل حقوقهم الإنسانية؛ وتمثل اتفاقية الأمم المتحدة محاولة هامة لتخطي هذه العوائق. وقد وسّعت الاتفاقية من نطاق، وأعادت صياغة، العديد من حقوق الإنسان، عن طريق دمج إجراءات محددة من حقوق الإنسان الموجودة التي تكفل أن توضع مبادئ الاتفاقية – إمكانية الوصول، عدم التمييز، المشاركة، واحترام الكرامة والقدرة المتنامية – على صعيد الممارسة.
يعتبر الوصول إلى المعلومات عنصرا حاسما في حرية التعبير وشرطاً مسبقاً أساسياً في نيل الحقوق الأخرى.
تُطور اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة القانون الحالي لحقوق الإنسان بشأن الوصول إلى المعلومات بالنص على بعض التغييرات السياسية والإدارية المطلوبة، كي يستطيع الأشخاص ذوي الإعاقة التماس وتلقي ونقل افكار ومعلومات، واستخدام المعلومات لتغيير أوضاعهم وأوضاع المجتمع الذي يعشون فيه.
مقدمة
تمثل الإعاقة وضعا معقداً متعدد الأبعاد على مستوى التجربة الإنسانية، التي كثيرا ما تقاوم اخضاعها للتعريف والقياسات. وكانت الاتفاقية خطوة هامة في اتجاه تطبيق معايير حقوق الإنسان فيما يتعلق بالأوضاع الإنسانية المتنوعة والمعقدة. ونصت الاتفاقية على حقوق مدنية وسياسية واجتماعية واقتصادية للأشخاص ذوي الإعاقة، معيدة صياغتها حول المبادئ الأساسية، مثل إمكانية الوصول والمشاركة. وتُعتبر الاتفاقية بمثابة ضمانة للوصول إلى المعلومات– حرية التماس وتلقي ونقل المعلومات والأفكار. والاتفاقية أداة حاسمة للدفاع، وشرط مسبق حاسم للتمتع بحقوق أخرى. ويُعتبر الوصول إلى معلومات الحكومة بشأن السياسات العامة ونتائجها عنصراً أساسيا لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من بلوغ حقوقهم.
ينظر هذا التقرير في بعض الطرق التي يمكن أن تساعد الأشخاص ذوي الإعاقة للوصول إلى المعلومات لنيل حقوقهم، والطرق التي يمكن أن تتقوّض بها حقوقهم نتيجة وجود عوائق في الحصول على المعلومات. ويستخدم التقرير لبنان كحالة دراسة.
لقد وقّع لبنان على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لكنه لم يصادق عليها بعد – مع ان التزاماته الدولية الحالية تتطلب جعل المعلومات متاحة للأشخاص ذوي الإعاقة. ويعتبر لبنان حالة دراسة هامة لعدة أسباب:
أولا، في لبنان، صدر قانون متعلق الأشخاص المعوقين سنة 2000،ما أنشأ تشكيلة واسعة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. ولكن التطور في تطبيق القانون كان محدوداً للغاية – وذلك يعود جزئياً إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة، والمنظمات التي تمثلهم، لم يستطيعوا الحصول على المعلومات التي يحتاجون إليها للمشاركة في تطبيق السياسات أو في التصدي لها.
ثانيا، مع أن لبنان يُعتبر، نسبياً، مجتمعا مفتوحا حيث تتدفق، بشكل عام، المعلومات السياسية الحساسة عبر شبكات لذوي النفوذ يتعذر الوصول اليها، حيث يُستبعد منها بشكل عام من لا سند لهم. وقد تمت صياغة مسودة لقانون الوصول إلى المعلومات لكن لم يتم تبنيه بعد.
في حال تعذر الوصول إلى المعلومات يجب على الأشخاص ذوي الإعاقة العمل بقوة لمجابهة عملية استبعادهم من التعليم والتوظيف وأنظمة المواصلات والرعاية الصحية. ويعيش، على نحو غير متناسب، عدد كبير من البالغين والأطفال ذوي الإعاقة في دور رعاية تعزلهم عن الحياة اليومية. ويبقي الافتقار للوصول إلى المعلومات نظاماً يعمل ضد مبادئ المشاركة والإشتراك التي تكمن في قلب القانون الدولي للإعاقة.