تدين منظمة المادة 19 الحملة التحريضية الواسعة التي تتعرض لها الشاعرة والكاتبة الأردنية زليخة أبو ريشة من طرف مجموعات متشددة، وذلك بسبب آرائها وأفكارهاوتعلن عن تضامنها المطلق معها. كما تدعو السلطات القضائية إلى إسقاط جميع الدعاوى الموجهة ضدها على خلفية تدويناتها المنشورة عبر موقع فيسبوك. وتطلب من السلطات الأمنية ضمان حمايتها الجسدية وتتبع جميع الأشخاص الذين دعوا إلى الاعتداء عليها.
قام الادعاء العام بعمان خلال شهر سبتمبر الماضي بإثارة عدة دعاوى ضد الدكتورة زليخة أبو ريشة على خلفية نشرها لعدد من التدوينات في أوت 2021 عبر موقع فيسبوك تعبر من خلالها عن رأيها في ضرورة أن تكون أصوات الأشخاص الذين يرتلون القرآن أو يؤدون الآذان جيدة ومطربة للآذان.
وإثر ذلك مثلت أمام محكمة صلح جزاء عمان كمتهمة على أساس ارتكابها لجريمة إهانة الشعور الديني لدى الغير المنصوص عليها صلب المادة 278 من قانون العقوبات[1].
تذكر منظمة المادة 19 أن الحق في حرية التعبير يحتل أهمية كبرى في المجتمعات الديمقراطية نظرا للدور الذي يلعبه في تعزيز النقاش العام ومشاركة الأفراد في الحياة العامة. وعلى هذا الأساس فإن التضييق على الأفراد لمجرد تعبيرهم عن آرائهم وأفكارهم والإمعان في هرسلتهم يبعث على الانشغال.
إنه من الضروري أن تقوم السلطات الأردنية بضمان الحق في حرية التعبير في جميع المجالات بما فيها المجال الديني الذي يعتبر من المجالات المتعلقة بالشأن العام والتي يحتل فيها التعبير أهمية قصوى. كما تدعو كبار المسؤولين في الأردن إلى التصدي لدعوات التحريض والكراهية التي تستهدف المفكرين وتشجيع الأفراد على نبذ العنف والتوجه نحو الحوار الاجتماعي كآلية للنقاش الديمقراطي.
- ضرورة ضمان الحق في حرية التعبير في المجال الديني
صادقت المملكة الأردنية على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية منذ 1975 وبالتالي فهي ملزمة باحترام الحق في حرية التعبير المنصوص عليه صلب المادة 19 منه. وفي هذا السياق، أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن هذا العهد يتعارض مع “حظر إظهار قلة الاحترام لدين أو نظام عقائدي آخر، بما في ذلك قوانين التجديف.”[2]
وتعتبر الجريمة المعتمدة لتتبع الكاتبة زليخة من أكثر الجرائم رواجا لتتبع المفكرين والمدافعين عن حقوق الإنسان والأقليات الدينية، حيث يقع تكييف كل رأي في المجال الديني يكون مختلفا عن آراء الأغلبية في المجتمع أو عن آراء من هم في السلطة، على أنه إهانة للمقدسات أو للشعور الديني ويستوجب بالتالي التتبعات القضائية.
وفي السياق نفسه، أوصى المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد بأن يقع ضمان الحق في حرية التعبير “بغض النظر عن الطبيعة النقدية للرأي أو الفكرة أو العقيدة أو المعتقد أو عما إذا كان هذا التعبير يصدم الآخرين أو يسيء إليهم أو يزعجهم، طالما لا يتجاوز العتبة التي يصبح بعدها دعوة إلى الكراهية الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداء أو العنف.” [3]
-
في التزام السياسيين بالتنديد بخطابات الكراهية
دعى بعض الأفراد عبرمواقع التواصل الاجتماعي إلى معاقبة زليخة لأنها تطاولت على الإسلام. كما طلب أحد رجال الدين من وزير الأوقاف بأن يقوم بتتبعها بسبب انتهاكها للمقدسات الإسلامية للمسلمين وهو ما يشكل تكفيرا لها ويمكن أن يعرض حياتها للخطر.
تدعو منظمة المادة 19 كبار المسؤولين في الأردن إلى التنديد بالممارسات التي من شأنها أن تخلق جوا من الترهيب، مما يخوف الأفراد من الإصداع بآرائهم بكل حرية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحملة الشرسة على الآراء والأفكار في المجال الديني ليست معزولة، بل تأتي في سياق محاكمات رأي عديدة من بينها الدعاوى المرفوعة ضد الدكتورة وفاء الخضراء والمحامي زيد النابلسي وهو ما يزيد في قلقنا حول قدرة الأردن على الإيفاء بالتزاماته الدولية في مجال حقوق الإنسان.
وفقا لخطة عمل الرباط،[4] يقع على السلطات الأردنية واجب تتبع جميع الخطابات التي تشكل، على معنى المادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف. إلا أننا لاحظنا في قضية زليخة أن العكس هو الذي حصل حيث مثلت زليخة يوم 13 أكتوبر 2021 أمام المحكمة في حين بقي المحرضون طلقاء.
وفي هذا الإطار شدد المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد ” على أنه ينبغي أن يمتنع الزعماء السياسيون والدينيون عن استخدام الرسائل التي قد تحرض على العنف أو العداء أو التمييز، وأنهم ينبغي أن يتحدثوا بحزم ودون تأخير ضد خطاب الكراهية.”[5]
كما دعا إعلان مشترك للمقررين الخاصين بحرية التعبير في جميع أنحاء العالم، صدر خلال الشهر الماضي،الأحزاب السياسية والسياسيين وكبار المسؤولين العموميين إلى “عدم الإدلاء بتصريحات مـــن المحتمل أن تشـــجع علـــى التعصب أو التمييز أو التضليل، وينبغي عليهم بدلا من ذلك استغلال مواقعهم القيادية للتصدي لهذه المضار الاجتماعية وتعزيز التفاهم بين الثقافات واحترام التنوع.”[6]
وبالتالي فإنه من الضروري أن تقوم السلطات الأردنية بتعزيز الحق في حرية التعبير ليكون في حد ذاته آلية فعالة للنقاش العام والحر بين مختلف الآراء والأفكار دون أي تهديد أو تخويف.
على ضوء ما سبق، تطالب منظمة المادة 19 بالإسقاط الفوري للتهم الموجهة ضد الدكتورة زليخة. وندعو القضاء إلى احترام أحكام الدستور الأردني والمعاهدات الدولية المصادق عليها عبر ضمان الحق في حرية التعبير والحرمة الجسدية والمعنوية لجميع الأفراد الذين يعبرون عن آراء وأفكار مخالفة لمعتقدات الآخرين حتى ولو كانوا أغلبية.
[1]”نصت المادة 278 من قانون العقوبات الأردني على أنه “يعاقب بالحبس مدةلاتزيدعلى ثلاثةأشهرأوبغرام ةلاتزيدعلى عشرين ديناراًكل من:
- نشرشيئاًمطبوعاًأومخطوطاًأوصورةأورسماًأورمزاًمن شأنه أن يؤدي إلى إهانةالشعورالديني لأشخاص آخرين أوإلى إهانةمعتقدهم الديني،أو
- تفوه في مكان عام وعلى مسمع من شخص آخربكلمةأوبصوت من شأنه أن يؤدي إلى إهانةالشعورأوالمعتقدالديني لذلك الشخص الآخر.”
[2]التعليق العام رقم 34 لسنة 2011 الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان.
[3]تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد، 22 مارس 2019، الفقرة 55.
متوفر عبر الرابط التالي:
https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/G19/060/26/PDF/G1906026.pdf?OpenElement
[4]يمكن الاطلاع على خطة عمل الرباط عبر هذا الرابط:
https://www.ohchr.org/Documents/Issues/Opinion/SeminarRabat/Rabat_draft_outcome_AR.pdf
[5]تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد، 22 مارس 2019، الفقرة 19.
متوفر عبر الرابط التالي:
https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/G19/060/26/PDF/G1906026.pdf?OpenElement
[6]إعلان مشترك لعام 2021 حول السياسيين والمسؤولين العموميين وحرية التعبير صادر عن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحماية وتعزيز حرية الرأي والتعبير وممثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا المعني بحرية الإعلام والمقرر الخاص لمنظمة الدول الأمريكية المعني بحرية التعبير والمقرر الخاص للجنة الافريقية لحقوق الإنسان والشعوب المعني بحرية التعبير والوصول إلى المعلومات،، يمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي:
https://www.ohchr.org/en/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=15921&LangID=E