العراق: منصة بلّغ : سنتين من القمع

العراق: منصة بلّغ : سنتين من القمع - Digital

تُعرب المنظمات الموقعة أدناه عن إدانتها الشديدة لاستمرار السلطات العراقية في استخدام منصة “بلّغ” في مراقبة المحتوى على الإنترنت وقمع حرية التعبير. أُطلقت هذه المنصة قبل عامين بذريعة مكافحة “المحتوى غير اللائق” على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها أصبحت أداة لتسهيل الاعتقالات التعسفية والمضايقات والملاحقات القضائية ضد المبدعين والنشطاء. وخلقت المنصة مناخًا من الرقابة الصارمة والرقابة الذاتية، مما زاد من تدهور سجل حقوق الإنسان في العراق. نكرر دعوتنا للسلطات العراقية لإغلاق هذه المنصة وضمان حماية حرية التعبير، سواء على الإنترنت أو في الحياة اليومية.

أطلقت وزارة الداخلية العراقية منصة “بلَغ” في يناير/جانفي 2023 بهدف تمكين الأفراد من الإبلاغ عن المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي الذي يُعتبر “مسيئًا” أو “غير لائق”. وفي وقت قصير، أُنشئت لجنة لمراقبة هذا المحتوى، مما أثار مخاوف حقوقية من إمكانية استخدام المنصة لقمع حرية التعبير وترهيب المدونين المنتقدين للسياسات الحكومية.

  رغم المخاوف التي عبّرنا عنها قبل عامين، تواصل استخدام المنصة كأداة للمراقبة العامة. وفي غياب التحديثات المنتظمة حول إحصاءات الشكاوى ونتائج الملاحقات القضائية، فإن تحديد تأثير المنصة على حرية التعبير غير واضح تمامًا. خلال الفترة بين فبراير وأغسطس/أوت 2023، جرى تقديم حوالي 96,000 شكوى، نتج عنها 44 إجراءً قانونيًا. وارتفع هذا الرقم إلى أكثر من 152,000 شكوى بحلول أغسطس/أوت  2024، مما يعكس الاستخدام المستمر للمنصة كأداة قمعية مع استمرار الاعتقالات والملاحقات القضائية طوال عامي 2023 و2024.

تعتمد الملاحقات القضائية المتعلقة بمنصة “بلّغ” بشكل أساسي على المادة 403 من قانون العقوبات العراقي، التي تُجرم المحتوى “المخل بالحياء أو الآداب العامة”. تعرضت هذه المادة للانتقاد لمخالفتها المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يُلزم العراق باحترام حرية التعبير. وينص العهد على  أن تكون أي قيود على حرية التعبير وفقًا لنص تشريعي وتراعي مبدأي الضرورة والتناسب. إلا أن الصياغة الغامضة لمصطلحات مثل “المخلة بالحياء والآداب العامة” تفتح الباب أمام إساءة استخدامها لقمع المعارضة.

وقد صرحت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، التي تفسر العهد الدولي، بأن “مفهوم الآداب يستمد من العديد من التقاليد الاجتماعية والفلسفية والدينية”، ويجب ألا تعتمد القيود لحماية الآداب على تقليد واحد فقط. علاوة على ذلك، يضمن العهد الدولي حتى التعبيرات التي قد تكون مسيئة أو استفزازية. إن استخدام القوانين الجنائية في علاقة بحرية  التعبير— وخاصة تسليط عقوبات سجنية— يُعد ردًا مفرطًا وغير متناسب على المحتوى “غير اللائق”.

تثير منصة “بلّغ” أيضًا مخاوف كبيرة بشأن الشفافية وحقوق الإجراءات القانونية. غالبًا ما يظل الأفراد غير مدركين لوضعهم على المنصة، ولا يستطيعون الطعن في تصنيفهم إلا بعد اعتقالهم. علاوة على ذلك، فإن منح وزارة الداخلية صلاحيات قضائية للتعامل مع “المحتوى غير اللائق” يثير مخاطر جدية للاستغلال ضد المعارضين السياسيين. أضف إلى  الاعتقالات والملاحقات القضائية التي تستهدف أشخاصا معينين، فإن المنصة تساهم في خلق مناخ من الرقابة الذاتية، مما يثني الأفراد عن التعبير بحرية على الإنترنت. كما تخلق بيئة من الرقابة أين يراقب الأفراد بعضهم البعض ويبلغون عن بعضهم البعض. وهذا يقوض التنوع الاجتماعي، ويزعزع الثقة، ويقمع الفردية ووجهات النظر المتنوعة.

وفقًا لمنظمة انسم للحقوق الرقمية ، فإن الإجراءات القانونية المتخذة خلال العامين الماضيين تبدو وكأنها تستهدف النساء بشكل غير متناسب، خاصة اللواتي يتحدين المعايير الاجتماعية التقليدية، مما يعكس اتجاهًا إقليميًا أوسع لتقييد حقوق النساء تحت شعار الأخلاق والنظام العام.

ندعو الحكومة العراقية إلى إغلاق منصة بلّغ فورًا وإطلاق سراح المعتقلين وإسقاط التهم الموجهة إليهم بشكل غير عادل. علاوة على ذلك، يجب إلغاء جميع التشريعات الوطنية التي تتعارض مع التزامات العراق الدولية في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك المادة 403 من قانون العقوبات. كحد أدنى، يجب وضع معايير واضحة وشفافة لتعريف “المحتوى غير اللائق” بما يتماشى مع الالتزامات الدولية لتقليل الإجراءات التعسفية والإساءة، مع الحد من الرقابة الذاتية والترهيب.

المنظمات الموقعة:

منظمة  اكساس ناو (Access Now)

منظمة المادة 19

مركز الخليج  لحقوق الإنسان  (GCHR)

منظمة انسم للحقوق الرقمية (INSM )

مركز المعلومة للبحث والتطوير

منظمة ريحانة المصطفى الإنسانية

منظمة جنة العطاء للإغاثة والإنسانية

جمعية الدفاع عن حرية الصحافة (PFAA)

مركز مترو

سمكس (SMEX)