منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: يجب وقف قمع التعبير عن التضامن مع فلسطين

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:  يجب وقف  قمع  التعبير عن التضامن مع فلسطين - Civic Space

دخان يتصاعد بعد الغارات الجوية الإسرائيلية في رفح، جنوب قطاع غزة، 10 أكتوبر 2023. صورة: أنس محمد / Shutterstock

الدخان يتصاعد بعد الغارات الجوية الإسرائيلية على رفح، جنوب قطاع غزة، 10 تشرين الأول/أكتوبر 2023. الصورة: أنس محمد / شترستوك

أثارت بداية حرب إسرائيل على غزة، والكارثة الإنسانية التي تلت ذلك،احتجاجات تضامنية جماهيرية على مستوى العالم وفي جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبعد خمسة أشهر من بداية الحرب، لا يزال الآلاف في العديد من الدول ينزلون إلى الشوارع للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة. إلا أن بعض الحكومات في المنطقة سارعت بقمع هذه الاحتجاجات خشية من أن تؤدي حركات التضامن المتنامية المؤيدة لفلسطين إلى تأجيج مطالب التغيير الاجتماعي والسياسي المحلي. وفي ضوء استمرار قمع الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجزائر ومصر والأردن، تدعو منظمة المادة 19 حكومات المنطقة إلى الكفّ عن تقييد الأصوات المطالبة بتكثيف الجهود لتخفيف المعاناة والكارثة الإنسانية بغزة.

يمثل الحق في الاحتجاج أحد الوسائل المتاحة دوليا وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للتعبيرعن التضامن مع غزة ومساءلة الحكومات عن مواقفها وأفعالها فيما يتعلق بالنزاع. ونظرا لبلوغ المعاناة في غزة مستوى غير مسبوق وقد أصبح أهلها على شفا المجاعة، فإن الحق في الإحتجاج ضروري لمواصلة الضغط من أجل الوقف الفوري للأعمال العدائية والسماح بالمرور الآمن وغير المقيد للمساعدات لإنقاذ الأرواح في القطاع.

منذ بداية الحرب على غزة، عبرت العديد من الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا محليا ودوليا عن دعمها الكامل للشعب الفلسطيني وانتقدت بشدة أعمال إسرائيل. غير أن قمع الأصوات المؤيدة لفلسطين داخليًا من قبل بعض البلدان في المنطقة يشير إلى رواية مختلفة تماما، مدفوعة أكثر بالمصالح الذاتية والخوف من أن يؤدي الصراع في غزة إلى زعزعة الاستقرار الداخلي.


ففي مصر، وعلى الرغم من تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي المستمرة الداعمة لغزة، فقد اعتقلت السلطات في أكتوبر/تشرين الأول عشرات المتظاهرين السلميين الذين أعربوا عن تضامنهم مع فلسطين ولا يزال بعضهم رهن الاحتجاز. وفي 3 مارس، ألقي القبض على ضابط شرطة بعد أن لوح بالعلم الفلسطيني، وطالب بفتح حدود غزة ووصف الرئيس السيسي بأنه “خائن”.وفي 8 مارس، قامت الشرطة المصرية بتفريق مسيرة قادتها مجموعة من النساء المصريات اللواتي تظاهرن تضامنًا مع النساء في غزة.


أما في الأردن،في حين تنسق السلطات عمليات الإنزال الجوي للمساعدات الإنسانية وتكرردعمها لغزة، تشير التقارير إلى أن التعبير عن هذا التضامن عبر الإنترنت، لا سيما عندما يكون مصحوبًا بانتقادات لسياسات الحكومة فيما يتعلق بغزة، يمكن أن يؤدي إلى الاعتقالات والمحاكمات. ووفقًا لتقرير لمنظمة العفو الدولية، فقد اعتقلت السلطات بين أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023 ما لا يقل عن 1000 متظاهر من بينهم مارة خلال الاحتجاجات المؤيدة لغزة في العاصمة عمان. واتهم سبعمائة منهم بجرائم مثل “ارتكاب أعمال عنف” و “التحريض على الفتنة” و “الإضرار بالممتلكات العامة”. في حين احتُجز البعض دون تهمة أو محاكمة ولم يُفرج عنهم بكفالة إلا بعد توقيعهم على التزام بالتوقف عن المشاركة في الاحتجاجات.

أما في الجزائر، ورغم بعدها جغرافيًا عن منطقة الصراع فقد سُمح بالمظاهرات المساندة لغزة مرة واحدة فقط، في 19 أكتوبر 2023، وتمت مراقبتها بشكل صارم من طرف السلطات. في حين تم رفض جميع الطلبات الأخرى للمظاهرات المؤيدة لفلسطين، مما جعل الجهات الفاعلة السياسية والمجتمع المدني بالجزائر تضطر إلى اللجوء إلى تنظيم تجمعات تضامنية في أماكن مغلقة أو داخلية.

وقد شكلت الاحتجاجات مثل تلك التي شهدتها مصر والأردن والجزائر في البداية تحديًا خطيرًا للسيطرة شبه الكاملة على الفضاء المدني التي تمارسها الحكومات منذ فرض قيود كوفيد-19 على المظاهرات في عام 2020.

إذ سماح السلطات المصرية في البداية بتنظيم المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين يعتبر متناقضا مع الرقابة المشددة التي يخضع لها الفضاء المدني المصري، لذلك سارعت السلطات بتقييد المظاهرات مجددا، مخافة من تحولها إلى مجال لانتقاد استجابة الحكومة للأزمة الإنسانية في غزة أو إلى احتجاجات اجتماعية وسياسية أوسع. فقد أشار المتظاهرون مثلا إلى أن الحكومة المصرية “شريك في الحصار” على غزة، وقاموا في بعض بترديد شعارات ثورة جانفي/يناير 2011.

وبالمثل، في الجزائر، يعتقد المحللون أن الحظر المفروض على الاحتجاجات، والذي يندرج ضمن قيود أخرى على الفضاء المدني الجزائري، كان مدفوعا بخوف السلطات من أن تؤدي مثل هذه التجمعات إلى عودة الحراك في الجزائر بعد أن نجحت السلطات في قمعه منذ سنة 2021.

تشعر منظمة المادة 19 بقلق عميق من أن قمع التعبير عن التضامن مع غزة لن يؤدي فقط إلى مزيد من التضييق على المشاركة المدنية في المنطقة، بل يعيق أيضًا الاستجابة الإنسانية والسياسية للنزاع.

إن الحق في الاحتجاج أساسي خلال النزاعات وأوقات الأزمات، ولا ينبغي أن تستغل الحرب على غزة لفرض المزيد من القمع في المنطقة. إن إسكات أصوات المساندين لغزة بينما يشاهدون اليأس المطلق لشعبها بما في ذلك رعب المجاعة، لا ينتهك حقهم في حرية التعبير فحسب، بل يقوض أيضًا المبادئ الأساسية للإنسانية والتضامن التي من المفروض أن تسترشد بها أي استجابة جماعية للأزمات الإنسانية.