انتهاك الخصوصية.. على مصر تعديل مشروع قانون الإجراءات الجنائية 

انتهاك الخصوصية.. على مصر تعديل مشروع قانون الإجراءات الجنائية  - Civic Space

Photo: Przemek Klos / Shutterstock

تدعم المنظمات الموقعة أدناه الدعوات التي أطلقتها عدة دول خلال الاستعراض الدوري الشامل الرابع لمصر الذي عُقد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 28 يناير 2025، لحث الحكومة المصرية على ضمان امتثال مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقترح مؤخرا لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان. يُشكّل مشروع القانون، الذي يناقشه البرلمان المصري حاليًا، ويهدف إلى استبدال قانون الإجراءات الجنائية المصري لعام 1950، تهديدًا خطيرًا للحق في الخصوصية، حيث يمنح المسؤولين عن إنفاذ القانون سلطات واسعة وتعسفية لمراقبة واعتراض اتصالات الأشخاص وأنشطتهم عبر الإنترنت. ونحث البرلمان المصري على رفض المسودة المقترحة وسن قانون جديد للإجراءات الجنائية يدعم الحقوق المنصوص عليها في الدستور المصري ويتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. 

تهدد عدة أحكام في مشروع القانون الحق في الخصوصية في مصر بشكل خطير، وتضفي الشرعية على المراقبة التعسفية وغير القانونية التي تقوم بها الدولة، لا سيما تجاه المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمعارضين. على سبيل المثال، تمنح المادتان 79 و80 من مشروع القانون سلطات تقديرية غامضة وواسعة لقضاة التحقيق لإصدار أمر لمدة لا تتجاوز 30 يوما (يمكن تجديده إلى أجل غير مسمى بزيادات قدرها 30 يوما) يسمح للسلطات بضبط الخطابات والرسائل والبرقيات والصحف والمطبوعات والطرود، ومراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية للأفراد وحساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك المحتوى الخاص. وكذلك رسائل البريد الإلكتروني والرسائل المخزنة على الهواتف والأجهزة “متى كان لذلك فائدة في كشف الحقيقة في جناية أو جنحة يعاقب عليها بالسجن لأكثر من ثلاثة أشهر”. 

وبموجب مشروع القانون المقترح، يمكن للقضاة أيضًا أن يأمروا بمصادرة الهواتف أو الأجهزة المحمولة أو المواقع الإلكترونية أو أي وسيلة تكنولوجية أخرى، و”تسجيل المحادثات الخاصة إذا لزم الأمر لصالح التحقيقات”، أو وضع الأجهزة والحسابات تحت مراقبة الدولة إذا كانت الأفعال متعلقة بالجرائم المذكورة في المادة 116 (مكرر) التي تتعلق بالإضرار المتعمد للممتلكات العامة أو المصالح الموكلة إلى الموظفين العموميين، وكذلك الجرائم المذكورة في المادة 308 (مكرر) المتعلقة بالتشهير والسب عبر المكالمات الهاتفية. 

تمنح المادة 116 النيابة العامة بعض الصلاحيات الخاصة بإصدار أمر باعتراض ومراقبة الاتصالات عبر الإنترنت. ومن شأن هذا أن يمنح وكلاء النيابة العامة سلطات واسعة لا ينبغي منحها إلا للقضاة، تماشيا مع مبدأ الفصل بين وظائف النيابة ووظائف القضاء. وتجدر الإشارة إلى أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ قانون الإجراءات الجنائية الشامل التي تُمنح فيها هذه الصلاحيات للنيابة العامة من دون رقابة قضائية. 

نتفق مع الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة، التي أكدت في رسالتها إلى الحكومة المصرية في نوفمبر الماضي أن هذه الأحكام قد تتعارض مع التزامات مصر الدولية، وسيكون لها آثار ضارة على الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين، وسوف تمنعهم من ممارسة حقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات، سواء عبر الإنترنت أو غير ذلك. 

 

انتهاك صارخ للمعايير الدولية للحق في الخصوصية 

صدّقت مصر على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تنص المادة 17 منه على أنه “لا يحوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته، وأنه من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس”. 

بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يجب أن يفي أي تقييد للحق في الخصوصية بعدة معايير. أولا، يجب أن ينشأ أي تقييد بموجب قانون يضمن تحديد القيود بوضوح. ثانيا، يجب أن يهدف أي تقييد إلى تحقيق أحد الأهداف المشروعة المبينة صراحة في الأحكام القانونية ذات الصلة. ثالثا، يجب أن يكون أي تقييد ضروريا ومتناسبا لتحقيق الهدف المعلن. وأخيرا، يجب إخطار الأفراد بمجرد انتهاء المراقبة، مما يمكنهم من الطعن في القرار أو التماس جبر الضرر. 

 

المشروعية  

أكدت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تعليقها العام رقم 16 على أن عبارة “التعرض لتدخل تعسفي” يمكن أن تمتد لتشمل أيضا التدخل المنصوص عليه في القانون. والمقصود بإدراج مفهوم التعسف هو ضمان أن يكون التدخل نفسه الذي يسمح به القانون موافقا لأحكام العهد ومراميه وأهدافه وأن يكون في جميع الحالات، معقولا بالنسبة للظروف المعينة التي يحدث فيها. 

ونلاحظ أن المواد 79 و80 و116 من مشروع القانون التي تجيز أنشطة المراقبة ليست دقيقة ولا واضحة فيما يتعلق بالجرائم والأشخاص الذين قد يخضعون للمراقبة أو اعتراض الاتصالات. لذلك، فإن تلك المواد تنتهك مبدأ الشرعية وتضفي الشرعية على التدخل التعسفي في الحق في الخصوصية. 

 

الضرورة والتناسب 

إن تمكين النيابة العامة من تجديد مدة أوامرها الخاصة بالمراقبة دون أي قيود يتعارض مع مبدأ الضرورة والتناسب، لأن ذلك يعني إمكانية مراقبة ليس فقط الشخص المستهدف إلى أجل غير مسمى ولكن أيضا مراقبة معارفه وزملائه وأصدقائه وأفراد أسرته. لذا، يجب أن تكون أي صلاحيات ممنوحة للمسؤولين القضائيين أثناء التحقيق محدودة الوقت. 

إن التجديد غير المحدود لفترات المراقبة ينتهك المادة 57 من الدستور المصري، التي تنص على أن “للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس، وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون”. 

 

الحق في الإخطار والتماس سبل الانتصاف 

لا تنص المواد المذكورة أعلاه من مشروع القانون على أي آلية لإخطار الشخص المستهدف بتدابير المراقبة بمجرد اتخاذها، مما يحرمه من فرصة الطعن في هذه القرارات أو التماس سبل انتصاف فعالة. 

وهذا، إلى جانب التجديد غير المحدود لفترات المراقبة، يمكن أن يُعرّض الأفراد وشركائهم للمراقبة مدى الحياة، مما يتركهم دون أي فرصة للطعن في القرار أو التماس التعويض عن انتهاك حقهم في الخصوصية. 

 

المراقبة كسلاح: الأثر العنيف على المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمعارضين 

حقوق الإنسان مترابطة، وبدون حماية قانونية قوية للحق في الخصوصية، لا يمكن للصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين البحث عن المعلومات وتلقيها أو التعبير عن آرائهم أو ممارسة حقهم في التجمع السلمي بحرية. 

وثقت منظمة أكساس ناو ومنظمات شريكة أخرى كيفية إساءة استخدام الدول لبرامج التجسس لاستهداف الصحفيين والمعارضين والنشطاء لأغراض سياسية. فبدلا من استخدام وسائل المراقبة في مكافحة الجرائم الخطيرة، قامت الدولة باستخدامها كأدوات للقمع الرقمي تحت ذريعة حماية الأمن القومي. 

للحكومة المصرية تاريخ طويل في استخدام برامج التجسس وتقنيات مراقبة الاتصالات عبر الإنترنت واستهداف المعارضين. على سبيل المثال، تم استهداف النائب المصري السابق أحمد الطنطاوي في الفترة ما بين مايو وسبتمبر 2023 ببرنامج التجسس Predator، الذي تم إنشاؤه وتطويره بواسطة شركة مقدونية ناشئة تدعي سيتروكس (Cytrox)، وذلك عقب إعلانه عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2023. 

بالنظر إلى سجل مصر في مجال حقوق الإنسان، فإن مشروع القانون من شأنه أن يضفي شرعية فعلية على المراقبة غير القانونية من خلال منح السلطات صلاحيات واسعة لاعتراض الاتصالات الخاصة. كما أن الصياغة الغامضة لأحكامه، إلى جانب الافتقار إلى الضمانات الكافية، تخلق مخاطر كبيرة لإساءة استخدام القانون. على سبيل المثال، يسمح مشروع القانون للسلطات باستهداف الصحفيين، مما يُعرّض سرية المصدر للخطر دون النظر في الطبيعة المحددة للعمل الصحفي، كما يُعرّض سلامة الصحفيين ومصادرهم للتهديدات، بل وقد يؤدي بهم إلى الاحتجاز التعسفي وربما التعذيب. لذا، فإنه من أجل حماية الصحفيين من مثل هذه الانتهاكات، لا يجب اتخاذ أي إجراء يخاطر بانتهاك السرية إلا بعد استنفاد جميع الوسائل البديلة للحصول على المعلومات اللازمة، وعندما تبرر المصلحة العامة الإفصاح عن تلك المعلومات بشكل واضح. 

خلال الاستعراض الدوري الشاملhttps://webtv.un.org/en/asset/k1s/k1s1re75k3 الأخير لمصر في يناير الماضي، أصدرت عدة دول توصيات لضمان بيئة آمنة ومواتية لمنظمات المجتمع المدني والصحفيين وغيرهم من النشطاء، مع التأكيد على الحاجة إلى حمايتهم. ومع ذلك، فإن مشروع القانون الجديد، إذا تم إقراره، سيعيق المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين من القيام بعملهم دون خوف من التدخل التعسفي في حقهم في الخصوصية. وهذا أمر مثير للقلق بشكل خاص بالنظر إلى أن انتقاد الرئيس أو غيره من المسؤولين قد تسبب في سجن البعض بموجب مجموعة من القوانين القمعية مثل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية وقانون مكافحة الإرهاب وقانون العقوبات 

لذا، نحث السلطات المصرية على: 

  • رفض مشروع القانون المقترح ووضع قانون جديد للإجراءات الجنائية يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان،  
  • إجراء مشاورات جادة وشفافة ومفتوحة وشاملة مع مختلف أصحاب المصلحة في مصر، 
  • ضمان أن تكون الأحكام المتعلقة بمراقبة واعتراض الاتصالات ومراقبة المحتوى عبر الإنترنت واضحة ودقيقة، وكذلك متناسبة ومحدودة المدة،  
  • ضمان أن تكون صلاحيات مراقبة الاتصالات واعتراضها خاضعة دائما للموافقة القضائية والمراجعة، 
  • حظر استخدام أنشطة المراقبة عندما تكون الوسائل الأقل انتهاكا للخصوصية متاحة أو لم تستنفد بعد،  
  • ضمان الحماية الكافية لسرية المصادر الصحفية،  
  • ضمان أن الأفراد الخاضعين للمراقبة لديهم الحق القانوني في الإخطار والتماس سبل الانتصاف الفعال، 
  • استحداث آليات قوية وفعالة للشفافية والرقابة على جميع الأمور المتعلقة بالمراقبة الجماعية واقتناء تكنولوجيا المراقبة، و 
  • تعديل قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020 بما يتوافق مع المعايير الدولية ونشر لائحته التنفيذية. 

الموقعون: 

  1. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية 
  1. منظمة أكساس ناو 
  1. الجبهة المصرية لحقوق الإنسان 
  1. مسار  
  1. إيجي وايد لحقوق الإنسان  
  1. مركز النديم  
  1. مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان  
  1. منصة اللاجئين في مصر 
  1. المادة 19 
  1. سمكس 
  1. مؤسسة حرية الفكر والتعبير  
  1. لجنة حماية الصحفيين