صارت المواقع الاخبارية المصرية على الانترنت، في بلد الذي يعاني من استقطاب شديد بعد مرور ثلاث سنوات من التغيّرات الهائلة، تمثّل إعلاما شديد الأهمية في ما يتعلّق بحرية التعبير. وتنظر هذه الدراسة في بعض الضغوط التي تتعرض لها هذه المواقع الاخبارية. وتُعتبر المواقع الاخبارية على الانترنت ضمن أكثر مواقع الانترنت شعبية في مصر؛ فهي تمثل بديلا للإعلامي التقليدي والإعلام المطبوع بتاريخهما الطويل من الخضوع لهيمنة الدولة وإشرافها. و تُعتبر المواقع الاخبارية على الانترنت فضاءا منظما بشكل جزئي – أكثر حريّة من الإعلام التقليدي لكن ليس بحجم الحرية التي تتمتع بها مواقع وسائط الإعلام الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر. لكن هناك مؤشرات بأن الفضاء الخاص بحرية التعبير في المواقع الاخبارية على الانترنت قد ينكمش في المستقبل القريب تحت ضغوط تأتي من مزيج من تشريعات وأساليب مراقبة جديدة يُعتقد أنها قد تضع سوابق لكل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يوفر دستور مصر لعام 2014 ضمانات لحرية التعبير؛ وقد صادقت مصر على اتفاقيات دولية تلزمها بالوفاء بالمعايير الدولية لحرية التعبير. ولكن القانون المصري يسمح بفرض العديد من القيود على تلك الحريّة، بعضها لا تتطابق مع تلك الالتزامات. وعلى امتداد حقبة إمتدت لخمسة عقود من السنوات ظل فرض حالة الطوارئ يقمع المعارضة كما ظلت قوانين كثيرة من تلك المرحلة ما تزال توفر عقوبات شديدة في جرائم مبهمة التعريف مثل التشهير والتحريض. وقبل ثورة 2011 كانت تلك القوانين تُعزز بشكل متفاوت؛ لكنها ساعدت في المحافظة على نظام رقابة ذاتية يتسم بالمرونة والقابليّة على التكيف. وقد تعرض نظام الرقابة الذاتية هذا إلى اضطراب كامل بسبب الثورة وانفجار الإعلام الخبري على الانترنت بالاضافة إلى وسائط الإعلام الاجتماعي التي أطلقتها الثورة. ومنذ انطلاق الانتفاضة سعت الحكومات المصرية المتعاقبة إلى استعادة نظام الرقابة الذاتية، أو تبني أو اقتراح قوانين تقيّد التظاهر العام وحرية التنظيم وما قد يُعرّف بعض أشكال حرية التعبير المشروعة كإرهاب. وتُعارض هذه الاجراءات التزامات مصر تجاه حرية التعبير، والتي تنبع من مصادقتها على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان. وقد ساعدت في دفع الإعلام التقليدي إلى الوراء نحو الرقابة الذاتية، كما ساعدت في توسيع نطاق نظام الرقابة الذاتية على مواقع الانترنت الاخبارية.
تنظر هذه الدراسة في مجموعة مختارة من مواقع الأخبار على الانترنت التي تمثل وجهات النظر السياسية الرئيسية في مصر اليوم. وتبدأ الدراسة بتقديم نظرة عامة لمواقع الانترنت مصنفة إياها حسب مرتبتها من حيث شعبيتها وقيمتها الخبرية ومرتبتها القانونية والمالية وتوجهها السياسي. ثم تطرح الدراسة نتائج إستقتها من خلال مقابلات مع محررين وصحفيين من هذه المواقع؛ وتناقش الدراسة حرية التعبير وتجارب الرقابة والرقابة الذاتية. وتغطي الدراسة الفترة من يوليو 2013، حينما استولت الحكومة العسكرية على السلطة وحتى سبتمبر 2014. وقد قدّم الصحفيون المشاركون في هذه الدراسة إجابات على أربع مجموعات رئيسية من الأسئلة:
هل توفّر المواقع الإخباريّة على الانترنت وجهات نظر أوسع من تلك التي يوفرها الإعلام التقليدي؟
كيف يتعامل مسئولو الحكومة مع الصحفيين؟
كيف تعمل الرقابة والرقابة الذاتية؟
الى أي مدى يبلغ يبلغ وعي الصحفيين بقوانين الإعلام المتغيرة؟
كشفت الأجوبة، المستخلصة من الأسئلة، مظاهر معينة حول طبيعة الرقابة والرقابة الذاتية في الإعلام المصري على الانترنت. وجاءت النتائج الرئيسية على النحو الآتي:
يؤمن صحفيو مواقع الانترنت أن المواقع الاخبارية على الانترنت يمكنها أن تبث وجهات نظر أكثر تنوعا من اصوات الإعلام التقليدي الذي يتزايد فيه تجانس وجهات النظر . ولحرية تعبير الأصوات البديلة والمعارضة أهميتها في وقت يعاني فيه المجتمع المصري من الإنقسام بينما تمضي الميول التشريعية في مصر في الطريق الآخر – نحو ’صوت منفرد‘ كما عبّر عنه أحد المحررين.
نادرا ما يمارس المسئولون ضغطا مباشرا على الصحفيين. ويجد معظم صحفيي الانترنت صعوبة شديدة في حمل المسئولين على تلقي محادثاتهم الهاتفية لتأكيد وقوع أحداث أو نفي وقوعها . ولا يُحظى معظم صحفيو الانترنت على الاعتراف بهم كصحفيين، مما يجعل من الصعب عليهم إقامة علاقات مع مسئولين.
هناك قدر قليل من الرقابة المباشرة؛ لكن كل المحررين يتعاملون بحذر مع قصص اخبارية حساسة، مثل دور الجيش في الاقتصاد، أو التوترات الطائفية، أو جماعة الاخوان المسلمين – وهي حركة وصل حزبها إلى السلطة عام 2012 لكن أطيح به ثم اعتبر منظمة إرهابية محظورة عام 2013. وتشعر بعض المواقع بأن الضغوط عليها محدودة نسبيا – لكن ثمة مواقع أخرى تشعر بأن القوانين القمعية الجديدة تؤثر عليها بشكل مباشر؛ وقد لقي عدة صحفيين حتفهم خلال المظاهرات كما أن صحفيي الانترنت الذين يعملون مع مواقع غير ذات صلة بالمطبوعات الورقية لا يحصلون على بطاقات صحفية كصحفيين. وتوفر البطاقات الصحفية إجراءاً أمنياً إضافيا للصحفيين وتزودهم بحد أدنى من السلامة خلال المظاهرات. لذلك فان صحفيي الانترنت يواجهون خطرا أكبر، مما يعني أن من المرجح ألا تحظى المظاهرات بالتغطية الإعلامية. وبالإضافة إلى قانون التظاهر فان جرائم التحريض والتشهير ومساندة المنظمات الإرهابية تُستخدم لفرض قيود على مواقع الانترنت ذات الصلة بجماعة الأخوان المسلمين المحظورة. وتشكل هذه القوانين المبهمة والرادعة إطارا لنظام يجعل صحفيي الانترنت أكثر حذرا فيما يكتبونه من تقارير عن المعارضة.
إن الصحفيين على دراية بالقوانين الموضوعة وهم يرونها معقدة وتعسفية ومفتوحة للتأويل. وتعتقد الأغلبية الساحقة ممن جرت معهم المقابلات، خصوصا من المواقع المستقلة أو المواقع الموالية لتوجهات الأخوان المسلمين أنه سيكون من الصعب بشكل متزايد مواصلة العمل للمرء كصحفي في مصر في العام المقبل.
إن حرية التعبير في مصر معرضة للخطر. فالعديد من صحفيي الانترنت يحاولون تقديم تقارير عن الأصوات المتنوعة والمستقطبة في البلاد وهم يتخوفون من أن القوانين الجديدة ستضغط على مواقعهم من أجل إحداث تماثل أكثر مع آراء الحكومة، كما يعتقدون أن التماثل العام يمكن أن يزيد من الانقسامات في البلاد. ويجب على الحكومة المصرية أن تكفل تطابق قوانينها مع التزاماتها تجاه حرية التعبير وأن تتسق مع المعايير الدولية.