تدعو منظمة المادة 19 الحكومة التونسية إلى التخلي عن التنقيح المزمع على المرسوم عدد 88-2011 الخاص بالجمعيات. إن التنقيح المقترح للمرسوم من شأنه أن يقيد بشكل غير ملائم حقوق وحريات منظمات المجتمع المدني، وأن يضيق على الفضاء المدني في البلاد. لذلك نحث الحكومة التونسية على سحب التعديل والامتناع عن مواصلة السعي إلى تقييد نشاط المجتمع المدني في تونس.
صدر المرسوم عدد 88 – 2011 بتاريخ 24 سبتمبر 2011 في أعقاب ثورة 2011 ليمثل تقدمًا كبيرًا في مجال حرية تكوين الجمعيات في تونس. يوفر هذا المرسوم في شكله الحالي حماية واسعة النطاق، على مستوى تأسيس الجمعيات وحقها في تلقي تمويل أجنبي دون ترخيص حكومي ومنع تدخل الحكومة في نشاطها.
والجدير بالذكر أن الحكومة التونسية لم تقترح إلى حد هذا التاريخ أي تعديلات بصفة رسمية ولم تؤكد عزمها على مراجعة المرسوم 88 – 2011. إذ تم إشعار منظمات المجتمع المدني حول نوايا الحكومة من خلال تسريب مشروع التعديل إليها. تذكر منظمة المادة 19 الحكومة التونسية بأهمية ضمان مسار تشريعي منفتح وشفاف يسهل المشاركة الفعالة لجميع الأطراف المعنية بما في ذلك منظمات المجتمع المدني.
ولطالما أكدت المادة 19 بأن التمتع بحرية التعبير مرتبط ارتباطا وثيقا بمدى ضمان حريات التجمع وتكوين الجمعيات. كما تعتبر حرية تكوين الجمعيات عنصرا أساسيا في أي نظام ديمقراطي. وتعد العلاقة بين حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات والتجمع علاقة ترابط من حيث أن هذه الأخيرة تتأثر بشكل كبير بمدى ضمان الحرية الأولى.
ترى منظمة المادة 19 أنه في حال اعتماد مشروع التعديل فإنه سيلغي العديد من مكتسبات المرسوم عدد 88 – 2011 ويقيد بشكل غير ملائم حرية تكوين الجمعيات في تونس، في انتهاك صارخ للدستور التونسي الذي ينص في فصله 49 على أن القيود على الحقوق والحريات يجب ألا تمس من جوهرها، وأن تخضع للاختبار الثلاثي المتمثل في أن تكون بموجب قانون (شرط الشرعية)، وأن تكون ضروريًة ومتناسبة لتحقيق الهدف المشروع المتمثل في احترام حقوق وسمعة الآخرين وحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. تهدف العديد من أحكام المشروع إلى منح الحكومة مزيدًا من السلطات للسيطرة على إنشاء الجمعيات أو حلها أو تمويلها ووضع قيود على أنشطتها المسموح بها.
تعبر منظمة المادة 19 عن قلقها خاصة بشأن الأحكام التالية في التعديل المقترح:
– يحظر المشروع المسرب على الجمعيات “تهديد وحدة الدولة أو تهديد نظامها الجمهوري والديمقراطي”، كما يحظر أن تكون الأنظمة الداخلية أو الأنشطة ذات طبيعة “متطرفة” (الفصل 4). كما ينص على أن منشورات الجمعيات بحاجة إلى مراعاة “النزاهة
والمهنية والشروط القانونية والعلمية” (الفصل 5). مثل هذه المصطلحات الغامضة لا تحمي بشكل كاف الجمعيات من التفسير الواسع والتطبيق التعسفي من قبل السلطات، وهو ما يتعارض مع الشرط الشرعية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يقتضي الدقة عند صياغة النصوص القانونية.
– أضاف التعديل المقترح إجراء جديدا بخصوص تأسيس الجمعيات حيث أصبح يشترط تأشير الحكومة على نسخة من النظام الأساسي للجمعية قبل نشر الإعلان في الرائد الرسمي. تثير الصياغة الغامضة التي تم تقديمها إشكالا خاصا بما أنها مقترنة بشرط جديد يجعل الإنشاء القانوني للجمعية خاضعًا لترخيص حكومي[1]. إذ بينما يسمح القانون الحالي بتأسيس الجمعية بشكل قانوني من خلال إجراء التصريح لدى السلطات المختصة، يلزم مشروع التعديل الجمعية بالحصول على نسخة من النظام الأساسي مؤشرا عليه من قبل الإدارة حتى تتمكن من القيام بنشر إعلان الإنشاء في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية. يشكل هذا المقترح خطوة إلى الوراء مقارنة بنظام التصريح الحالي لأنه في حالة مماطلة الإدارة لن تكون الجمعية قادرة على نشر إعلان الإنشاء في الرائد الرسمي ومن ثمة لن تعتبر في حالة تأسيس قانوني.
– ومما يدعو كذلك إلى القلق هو الشرط الجديد الذي يقضي بالترخيص لكل تمويل أجنبي من قبل اللجنة التونسية للتحاليل المالية، وهي هيكل تابع للبك المركزي التونسي مكلف بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وقد تم تبني مثل هذه القيود على التمويل الأجنبي من قبل عدة دول في السنوات الأخيرة في محاولة لكبح المعارضة المتأتية من منظمات المجتمع المدني. وكما ذكر المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، فإن قدرة منظمات المجتمع المدني على الحصول على تمويل من مصادر محلية وأجنبية ودولية هي “جزء لا يتجزأ من الحق في حرية تكوين الجمعيات” وبالتالي فإن شرط حصول منظمات المجتمع المدني على موافقة الحكومة قبل تلقي التمويل الأجنبي يمثل تقييدا بموجب القانون الدولي. لذلك ندعو الحكومة التونسية إلى التركيز بدلاً من ذلك على تعزيز الشفافية وآليات الإبلاغ لدعم جهودها في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. فعلى سبيل المثال، تطلب كندا من بعض المؤسسات الخيرية إجراء تصريحات إضافية فيما يتعلق بالتمويل الأجنبي دون فرض أي موافقة مسبقة. كما أوصت مجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية المتخصصة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب باعتماد تدابير متناسبة ومبنية على المخاطر والتي لن تؤثر بشكل غير متناسب أو تثقل كاهل منظمات المجتمع المدني مع احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان. (انظر دليل الممارسات الفضلى لمكافحة إساءة استخدام المنظمات غير الربحية)
– كما تمنح تعديلات المرسوم السلطات الحكومية القدرة على حل الجمعية (الفصل 33). فبينما ينص القانون الحالي فقط على الحل الطوعي (بقرار من أعضاء الجمعية) أو بناءً على حكم قضائي، فإن المشروع ينص على الحل التلقائي للجمعية بناءً على قرار مسبب صادر عن السلطات الإدارية. أحد السيناريوهات التي يمكن أن يصدر فيها مثل هذا القرار هو الوضعية التي تكون فيها الجمعية دون وجود فعلي وحقيقي بسبب عدم نشاطها. وليس من الواضح في النص ما إذا كان يمكن أن يكون هناك حل تلقائي لأسباب أخرى غير عدم النشاط. ويعتبر هذا المقترح مثيرا للقلق لأن حل الجمعية يعد خطوة خطيرة للغاية. فبموجب المعايير الدولية مثل المبادئ التوجيهية بشأن حرية تكوين الجمعيات والتجمع في إفريقيا، لا يجوز تطبيق أمر الحل إلا في حالة وجود انتهاك خطير للقانون الوطني وكحل أخير. بالإضافة إلى ذلك، تنص المبادئ التوجيهية على أنه لا يجوز إصدار أمر الحل إلا من قبل محكمة بعد مسار قضائي كامل وبعد استنفاد جميع آليات الاستئناف المتاحة (الفقرة 58).
– كما وقع تقييد حق مسيري الجمعيات في الترشح للانتخابات السياسية، بما أن التعديل نص على ضرورة استقالة مسيري الجمعيات الذين ينوون الترشح للانتخابات الرئاسية أو التشريعية أو المحلية من مناصبهم داخل الجمعية قبل ثلاث سنوات على الأقل من الانتخابات (الفصل 4).
بالإضافة إلى ذلك، وفي حين أن التشريع الحالي يحظر على الجمعيات تقديم أو جمع الأموال لدعم الأحزاب السياسية أو المرشحين لخوض الانتخابات، يوسع المشروع من الحظر ليشمل “الدعاية للاستفتاءات” أو مد المرشحين السياسيين “بالدعم بأي شكل من الأشكال” – وهذه صياغة أخرى فضفاضة من شأنها أن تفسح المجال لتفسير مسيء من قبل السلطات الحكومية.
عملياً تضعف جميع التعديلات على المرسوم الحالي حق الجمعيات في تونس في العمل بحرية ودون تدخل غير مبرر من السلطات العمومية.
تدعو منظمة المادة 19 الحكومة التونسية إلى احترام التزاماتها بحماية حرية تكوين الجمعيات بموجب الفصل 35 من الدستور التونسي وكذلك بموجب الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ومنها المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة 10 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، حيث صادقت الجمهورية التونسية على كليهما.
كما نعتبر أن العديد من الإضافات المزمع تبنيها تتعارض مع المبادئ التوجيهية بشأن حرية تكوين الجمعيات والتجمع في إفريقيا (مثل الفقرات 9-13 المتعلقة بالشخصية القانونية أو الفقرة 38 الخاصة بالتمويل). فهي لا تمتثل للمبادئ التي تنظم القيود على حقوق الإنسان والمتمثلة في شروط الشرعية والمشروعية والضرورة والتناسب. كما نعتبر أن حالة الاستثناء الحالية لا يمكن أن تبرر مثل هذه القيود المفرطة على الجهات الفاعلة في المجتمع المدني.
منذ صدور المرسوم عدد 88 – 2011، ارتفع عدد الجمعيات في الجمهورية التونسية بشكل ملحوظ مما يدل على حرص المجتمع على التنظيم والانخراط بشكل جماعي للمساهمة في بناء مجتمع ديمقراطي بعد الثورة. وسيكون هذا المكسب في خطر جسيم إذا تم اعتماد مشروع التعديل المسرب. لذلك نحث الحكومة التونسية على سحب المشروع والاعتراف بأن حرية تكوين الجمعيات أمر بالغ الأهمية لتعزيز الفضاء المدني وأن المجتمع المدني النشط يلعب دورًا أساسيًا ليس فقط من أجل ممارسة حرية التعبير والنفاذ إلى المعلومة ولكن في الواقع من أجل كل حقوق الإنسان وسيادة القانون.
[1] أنظر/ي الفصل 10 والفصل 12 من المشروع المسرب.